“نورا ناجي” تكتب عن “رحلات جَلِفر” لـ”جوناثان سويفت”
بقلم/ نورا ناجي
كاتبة وروائية مصرية
انتهيت من قراءة رحلات جَلِفر وفي حالة من الرضا لم أشعر بها منذ مدة، إلى جانب كونها رواية ممتعة للغاية، خيال سابق عصره وسخرية جذابة وأسلوب سلس، فهي كمان مليئة بالرمزيات الخبيثة ونقد شديد للسياسات والحكومة البريطانية من المؤلف جوناثان سويفت مش بس السياسات، النقد يمتد ليشمل الإنسان بشكل عام، الحقيقة الهوامش فادتني جداً في معرفة ما يعنيه سويفت، شكرا جزيلاً للمترجمة آلاء النحلاوي وترجمات منشورات تكوين العظيمة.
المؤلف واضح إنه ساخط على عالمه والبشر، ويلجأ للحواديت ليوصل وجهة نظره بشكل لطيف، لأنه بين حبه الكبير لوطنه وبين تعجبه من الحروب والقسوة والظلم والخبث والملاوعة وغيرها، أحبت جداً في الجزء الثاني عندما كان في جزيرة العمالقة، أظهرهم رغم ضخامتهم وإنهم قادرون على قتله في أي لحظة، طيبين للغاية، الملك نفسه يستغرب عندما يحكي له جلفر عن اختراع البارود، وأن كائنات وضيعة صغيرة مثله تفكر في اختراع لا إنساني إلى هذا الحد!
أحببت أيضاً ملحوظة جلفر بعد عودته من عالم العمالقة، أنه كان تعود على الحجم الكبير ده لدرجة إنه صار يشعر بوضاعة بني جنسه ويراهم صغيرين ومضحكين، أنه كان يرى العيوب واضحة في بشرة العمالقة لأن تكبير أي شيء يظهره على حقيقته، أما الصورة السطحية لأ.
في الجزء الأول في زيارته لجزيرة عقلة الإصبع بيكون جلفر هو العملاق الوحيد، ويكتشف فيها كم المؤامرات التي يمكن أن تحاك بين السياسيين لمجرد الغيرة والشعور بالوضاعة، وأن المعروف لا يكفي لدى الملوك لاتقاء شرهم.
في الجزء الثالث يزور الجزيرة الطائرة، التي يسكنها ناس منشغلين بالتفكير لدرجة إنهم يعينوا مساعدين يضربوهم على العيون والأذان والفم لكي ينتبهوا، هم فعلا مفكرين وأذكياء لكنهم لا يستفيدون بشيء من هذا العلم.
ويصل إلى جزيرة ضمن مملكتهم ويكتشف أن الاختراعات التي يفنون فيها عمرهم غبية ومضحكة لأنها لم تقترب أبداً لاحتياجات البشر الحقيقية، وهو كان يسقط بذلك على الجمعية الملكية في لندن وجامعة ليدن.
في الجزء الرابع يذهب إلى جزيرة يحكمها الأحصنة، فيها الإنسان هو الحيوان المتوحش غير العاقل، الحصان الحكيم الذي يعيش عنده يستغرب جداً من عالم يحدث فيه العكس، ويدور مونولوج طويل بيحكي فيه جالفر عن البشر والقضاء والعدالة والظلم والحب والغش ويكتشف أن البشر في عالمنا لا يختلفون كثيراً عن حيوانات الياهو البشرية في الجزيرة دي.
الرواية ممتعة للغاية.