fbpx

يونس الفنادي: ما أحوجنا إلى صحافة تحتضن المقالات النقدية

الحربُ لعنةٌ على الأمم والدول

0

لطالما ألهمت الثورات الأدباء والفنانين، باعتبارها لحظات فارقة في تاريخ الشعوب، ويكون لكل ثورة أدباؤها ويعرف الإنتاج الأدبي المرتبط بالثورات بـ“أدب الثورة”.
وباندلاع ثورات الربيع العربي، صدرت روايات تتناول هذه الثورات، بعضها اتخذ طابعاً توثيقياً للأحداث، والآخر يتخذ من الثورة خلفية زمانية ومكانية.

وبمرور عشر سنوات على ثورة 17 فبراير الليبية، نستعرض مستجدات المشهد الثقافي الليبي وواقع الأدباء بالداخل في ظل الحرب والصراعات المسلحة، في حوار خاص مع الكاتب والناقد الليبي الكبير “يونس الفنادي”:

حوار: آية ياسر

كيف تـَـرى المشهد الثقافي الليبي الراهن بعد مرور 10 سنوات على ثورة 17 فبراير؟
لا شك أن هناك تأثراً وتغيراً كبيراً لافتاً بكل الأوجه وعلى جميع الأصعدة في المشهد الليبي بعد حراك 17 فبراير مقارنةً بما كان عليه من ثبات واستقرار قبل هذا التاريخ، وهذا التأثر يُعدُ طبيعاً ويحدث كذلك في أي مجتمع آخر يتعرض لهزات عنيفة في تركيبته السياسية وبنيانه الفكري. فالمقولة الأساسية في علم الإجتماع تصرح بكل تأكيد ويقين أن (التغيير هو الثابت الوحيد) ولابد أن نؤمن نحن بالتغيير رغم ثمنه الباهظ أحياناً، أو لنقل غالباً، لأن طبيعة الإنسان تنحاز دائماً إلى الاستقرار والهدوء ولا تقبل التغيير بسهولة، وذلك نتيجة ما يصاحب أي تغيير من ثورة غير مسيطر عليها، وعنفوان يطال كل الجوانب الحياتية.
لقد برزت بعد 17 فبراير تغيرات كثيرة في عدة جوانب بالمشهد الثقافي الليبي لعل أبرزها ظهور أسماء جديدة شابة وغير شابة، في مجالات الأنشطة الإعلامية والتحليل السياسي وفاعليات مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وغيرها، كانت متوارية عن المشهد الوطني طوال عقود زمنية لأسباب عديدة تتفاوت بين الخاص والعام، ربما نتيجة إحساسها بالغبن والظلم والإقصاء من النظام السابق، أو بشعورها بعدم جدوى وأهمية ما تقدمه للمشهد الوطني نتيجة التفاوت الفكري في البيئة الفكرية والسياسية والاجتماعية السائدة آنذاك. والجانب الآخر للتغيرات اللافتة هو اتساع هامش التعبير، الذي وصل حد الانفلات، عمّا كان عليه سابقاً خاصة فيما يتعلق بالكتابة السياسية والوطنية إجمالاً.
والمظهر الأكثر بروزاً في المشهد الوطني والسياسي تحديداً هو عودة الإسم الرسمي الصريح للوطن حاملاً الهوية الليبية من خلال اسم (ليبيا) مع تواري صفة (الجماهيرية) كنظام حكم سياسي طمس بحذاء العسكر وأيديولوجيته المثقوبة والقبضة الأمنية الديكتاتورية الاسم الحقيقي للدولة، وغيّب الهويّة الليبية المحددة لعقودٍ طويلة.
أما في المشهد الأدبي الإبداعي الليبي فالأبرز هو ظهور كتابات السجناء السياسيين ونشر معلومات كانت مصادرة وممنوعة عن حقبة استبدادية مظلمة لنظام القذافي ظلت غائبة كلياً عنا، وخير مثال على ذلك صدور (مذكرات سجين ليبي) للدكتور عبدالقادر الفيتوري، ورواية الأديب الدكتور صالح السنوسي (يوميات زمن الحشر) التي توثق لفترة دموية ووحشية عصيبة لليبيا، ورواية (طريق جهنم) عن سيرة السياسي علي العكرمي في السجن لمدة ثلاثين سنة تقريباً، وكتاب الأستاذ عبدالفتاح البشتي (المحنة الملحمة: 15 سنة في سجون القذافي) وهو يحكي عن مأساة مجموعة الأبشات (عائلة البشتي) المعتقلة ورفيقهم الراحل عبدالعزيز الغرابلي في سجون القذافي، وكذلك كتاب (القبر المتحرك .. حرب تشاد) للعميد عمر الوحش، وكذلك كتاب (خفايا وأسرار حرب تشاد 1976-1995) للعميد علي محمد أبو قصة، وكما نعلم فإن موضوع حرب تشاد كان محضوراً وممنوعاً من التناول في كل الأجناس الأدبية أو التاريخية التوثيقية.
وما لمسناه في الإنتاج السردي من تغير واضح، يمكن رصده كذلك في الأجناس الأدبية الأخرى مثل الشعر حيث صدر ديوان (ديوان ربيع فبراير) للشاعر الكبير راشد الزبير السنوسي، وديوان (من وحي ثورة الحق والتكبير) للشاعر الكبير الدكتور عبدالمولى البغدادي رحمه الله، وأيضاً المقالة السياسية بالصحافة اليومية وهو ما أفسح المجال، بلا قيود حكومية ممنهجة، لكل الأقلام الراغبة في التعبير عن فكرها السياسي ونقدها الإجتماعي لحراك المجتمع، مع ضرورة الإشارة أيضاً إلى ظهور قوى أخرى مؤدلجة، ظاهرة ومتخفية، تمارس بعض الضغوط على حرية التعبير، وأغلبها تنتمي لتيارات دينية وفكرية متعددة.
أما المجال الفني والموسيقي فأبرز تغير طاله يمكن رصده وملاحظته هو عودة النشيدِ الوطني الرسمي السابق للدولة الليبية والمعروف بنشيد الاستقلال (يا بلادي) الذي ألفه الشاعر التونسي بشير عريبي ولحنه الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب، وكذلك عددٍ من الأغاني الوطنية مثل (لو تؤمريني فوق نسمة نطير) للفنان سلام قدري و(تعيشي يا بلدي) للفنان محمود كريم وأغنية (وين سايرة يا مركبي قوليلي وين) للفنان محمد السيليني، وأغنية (عرفتك زين تلعب عالحبلين) للفنان عبدالله الأسود وغيرها من الأغاني العاطفية والحماسية والوطنية التي كانت ممنوعة من البث عبر الأثير الإذاعي في ليبيا نتيجة قراءتها سياسياً وفق التوجهات الفكرية والأمنية للنظام.
– برأيك ما أبرز التحولات التي شهدها الأدب الليبي من حيث الأسلوب والموضوعات وكم الانتاج الأدبي المنشور؟
لا شك أنه لا يمكن رصد كل التحولات بشكل دقيق في ظل عدم استقرار الدولة، وتوفير وثائق مسجلة، ولكن أهم مكسب، في تصوري، هو تحرر الفكر والتعبير عن الرأي من القبضة الأمنية الشمولية التي كانت تهيمن عليها أيديولوجية الفكر الواحد والرأي الواحد واللون الواحد والقائد الرمز الواحد. ويعد هذا مكسباً إنسانياً كبيراً، وليس للأدب فحسب، بل لشتى أنواع الإبداع الأخرى مثل الإذاعي والمسرحي والتلفزيوني وغيرها من الفنون والمجالات الأخرى.
أما من ناحية الأسلوب فهو يغلب عليه التقريري والوصفي لمظاهر التغيير والحراك الشعبي، والتوق والتطلع لمستقبل واعد تتصالح فيه الذاتُ الإنسانية مع نفسها، ومع الآخرين الذين عملوا على تدميرها وقهرها بشتى السُبل، وتتجاوز العقول فيها مرحلة مقيتة من الديكتاتورية الوحشية، وسلطة الحس الأمني الذي كان يترصد المبدعين، ويمارس الكثير من التدخلات المباشرة وغير المباشرة في إنتاجهم على اختلافه.
أما من الناحية الكمية للانتاج فهذا يحتاج إلى حصر إحصائي مثبت، وتتبع زمني لعملية نشر الكتب وإصدار المجلات والصحف وإعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية وغيرها، ولا أعتقد بأنه يتسع البراحُ هنا للكشف عنه، ولذا سأكتفي بالاشارة إلى أن أعداد الصحف التي صدرت سنة 2011م بلغت 132 صحيفة ثم بدأت تتراجع إلى 88 صحيفة سنة 2012م و 39 صحيفة سنة 2013م، و9 صحف فقط سنة 2014م وفق البيانات المسجلة لدى مكتب التوثيق بهيئة دعم وتشجيع الصحافة. وهذه الأرقام التنازلية تؤكد عدم استقرار المرحلة، وبالتالي كما أسلفت، فإن عملية رصدها وتقييمها تحتاج إلى سنوات قادمة لدراسة تفاصيلها ودوافع انطلاقها وأسباب تراجعها وغير ذلك. مع ملاحظة أنه لم تصدر أية مجلة ورقية خلال هذه الفترة .. بل ظل الاصدار مقتصراً على الصحف والجرائد فقط دون غيرها وهذه ملاحظة تستحق الدراسة تتعلق بالمجال الصحفي دون غيره من المجالات الإبداعية الأخرى.
– كيف ألقت الحرب والثورة بظلالها على الأعمال الأدبية الليبية؟
الحربُ لعنةٌ على الأمم والدول، وضحاياها من الأرواح البشرية البريئة خسارة فادحة للبلاد. الحربُ حريقٌ يأكل الأخضر واليابس، لا يترك إلاّ الدمار والخراب، ويصيب النفوس الحية الناجية منها بالانكسار والإحباط واليأس والتذمر من الحياة، والعاهات النفسية المزمنة، ولعن المجرمين المتسببين في اندلاعها. وهو ما تبرزه الأعمال الأدبية الصادرة إبآن الحرب في ليبيا. هذا من الناحية الموضوعية بشكل عام وشامل، ومن ناحية أخرى فقد أعادت الحرب ترتيب سلم الأولويات والضروريات في حياة المواطنين، واقتصار هدفهم الوحيد بالمحافظة على الحد الأدنى من الاستقرار النفسي والتفكير العقلاني بدل الانجرار في أعمال جنونية وتهورية كالمشاركة بالسلاح في الحرب ذاتها أو الانخراط في دعمها أو ممارسة خطاب العنف والكراهية. أما من الناحية الاقتصادية والاجرائية تحديداً فقد تغولت السوق السوداء وارتفعت الأسعار وطالت إصدار الصحف والكتب والمجلات، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين القراء وغيرها من التداعيات الأخرى التي جعلت الاهتمام بالكتاب والقراءة والانتاج الأدبي في أدنى سلم الأولويات لدى الأفراد ومؤسسات الحكومة على حد سواء. كما أدت إلى توقف النشاط المسرحي وإنتاج البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وقلة الندوات واللقاءات الأدبية والفكرية والأمسيات الشعرية وغيرها. وكل هذا التردي ينعكس على الأعمال الأدبية والأنشطة الثقافية وكل مناحي الحياة باعتبار أن عنصرها الأول في التفكير والتنفيذ والممارسة والتلقي هو الإنسان المواطن الذي يواجه شراسة الحرب بكل ما أوتي من عقل متوازن يجنح للسلام.
– ما هي أبرز الأعمال الأدبية التي تناولت الثورة الليبية؟
صدرت العديد من الابداعات والدراسات بعد 17 فبراير وعلى سبيل الذكر لا الحصر مثلاً في مجال القصة القصيرة ظهر كتابي (ثورة فبراير في الأدب الليبي: قصص عزة كامل المقهور نموذجاً) الصادر عن وزارة الثقافة والمجتمع المدني سنة 2013م، و(قصائد من وحي ثورة الحق والتكبير) للشاعر الراحل الدكتور عبدالمولى البغدادي الصادر عن دار الرواد سنة 2013م، وكتاب الشاعر خالد درويش (فشلوم، القصة الكاملة عن الثورة) الصادر عن هيئة دعم وتشجيع الصحافة، والمجموعة القصصية (فشلوم) للقاصة المحامية عزة كامل المقهور، ومجموعة (العالم ذبابة حطت على أنفها) للقاصة رحاب شنيب، ورواية (جامايكا) للأديب محمد الأصفر، ورواية (بلد الرجال) للروائي هشام مطر يروي فيها قصة اعتقال والده والزج به في سجون القذافي ومعاناة الإبن بعد اعتقال الأب وتغييبه لعقود زمنية وراء القضبان، وهذا العمل كان قد صدر قبل 17 فبراير 2011م بسنوات ولكن ما كان يتسنى لليبيين الإطلاع عليه وقراءته قبل فبراير.
وفي تصوري فإن أبرز الإصدارات الحديثة التي مثلت إضافة مهمة لكتب التاريخ الوطني هو ترجمة كتاب المبعوث الأممي (ادريان بلت) صانع استقلال ليبيا، ومفوض الأمم المتحدة لليبيا سنة 1951م والصادر سنة 1970م باللغة الانجليزية تحت عنوان (Libyan Independence and the United Nations) وقام بترجمته الدكتور محمد زاهي المغيربي وإصداره سنة 2020م تحت عنوان (استقلال ليبيا والأمم المتحدة) وهو كتاب ضخم يحتوي على حوالي 1740 صفحة تتولى توزيعه دار الكون في مصر، وكذلك صدور كتاب (محمود المنتصر ودوره السياسي في ليبيا) سنة 2017م الذي يكشف الكثير عن حقيقة وسيرة أول رئيس وزراء لليبيا في العصر الحديث في أطروحة جامعية لنيل درجة الماجستير يعدها طالب عراقي في قسم التاريخ بكلية التربية ابن رشد للعلوم الانسانية بجامعة بغداد بالعراق الشقيق، وأيضاً كتاب (محمد إدريس السنوسي ودوره في استقلال ليبيا 1890-1952) للمؤلفة العراقية هند النعيمي، وكتاب (حقيقة مصطفى بن حليم .. وهذا ردي على افتراءاته) وهو رد السيد أبوالقاسم الغماري على كتاب مصطفى بن حليم “صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي”، وغير ذلك من الإصدارات.
– كيف تناول الأدب الليبي بعد الثورة فترة حكم القذافي وسقوطه؟
السؤال عن (الكيفية) يبدو غامضاً ومربكاً بعض الشيء بالنسبة لي، ولكن إن كان المقصود هو درجة هامش التعبير ومستوى حرية الكتابة فلابد من الإشارة إلى اتساعه بعد 17 فبراير بشكل كبير قياساً بما كان عليه قبله. أما إن كان المقصود الأساليب والتقنيات الفنية في التعبير، فهذه بطبيعتها لا تتأثر كثيراً بحراك سياسي أو اجتماعي محدد، وتظل عبارة عن أدوات وتقنيات فنية بحتة قد تتطور أو تمارس وفق طقوسها المعتادة والتي دأب عليها الكتاب والمبدعون منذ أزمنة بعيدة.
وإن كان المقصود الاستفسار عن تنوع الأجناس الأدبية، ففي هذا الجانب يمكن القول بأن الشعر الشعبي، والأغنية الوطنية الحماسية، والمقال السياسي الصحفي، كانوا هم الأشكال التعبيرية الأسبق في إذكاء جذوة الحماس وإشعال الشرر الأول للتعبير، ومن ثم إطلاقهم العنان لبقية الأجناس التعبيرية الأخرى لتواكب الحدث الجماهيري، فجاءت الأغنية وولدت القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمشهد التعبيري المسموع والمرئي وغيرها، ولا يمكن أن ننسى دور شبكات التواصل الاجتماعي والفضاء الالكتروني في هذا الجانب من حيث سرعة واتساع مساحة التواصل والتعبير والتفاعل. أمل أن تكون الإجابة واضحة لأن السؤال ذاته لم يكن محدداً وواضحاً بالنسبة لي… فعذراً.
– ما هي أبرز الأعمال التي صدرت بعد الثورة وحققت نجاحاً كبيراً وحصدت جوائز ثقافية؟
هناك العديد من الأعمال التي نالت الكثير من الاهتمام وحققت نجاحاً لمبدعيها ولليبيا كافة، ولا شك بأنه يتعذر حصر كل تلك الأعمال في هذا اللقاء القصير ولكن يمكننا للتدليل على هذا التميز أن نشير إلى فوز مسرحية الأستاذ المسرحي القدير الممثل والمخرج والكاتب البوصيري عبدالله (آلهة العرب) بالترتيب الثاني في مسابقة التأليف المسرحي للعام 2016م التي تنظمها الهيئة العربية للمسرح سنوياً بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وكذلك وصول رواية (زرايب العبيد) للأديبة نجوى بن شتوان إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر للرواية العربية والتنافس على الترتيب الأول سنة 2017م، وأيضاً حصول قصيدة الشاعر محمد المزوغي (أقوى من الموت) على الترتيب الثالث في الدورة السادسة لمهرجان المختار اللغماني للشعر العربي الذي انتظم في تونس خلال الفترة من 16 الى 18 اغسطس 2018م بمشاركة شعراء من تونس ومصر وسوريا والعراق وموؤيتانيا والجزائر والسودان وفلسطين والأردن بالاضافة الى ليبيا، وغيرها من الأعمال الإبداعية الليبية التي لا يمكن حصرها في هذا اللقاء السريع.
– ماذا عن النشر الورقي والفعاليات الثقافية من ندوات ومؤتمرات وجوائز في ليبيا الآن؟
النشر الورقي يواجه تحديات عصرية كبيرة أمام سرعة انتشار الكتاب الالكتروني والنشر عبر شبكة الإنترنت ومواقع الكتابة الحديثة، وكذلك معاناة المؤلفين والناشرين من ارتفاع أسعار الورق والطباعة وتدني أعداد القراء العرب بشكل عام والليبيين خاصةً، وكل هذا يجعل النشر الورقي في حالة موت سريري بطيء أو معاناة حرجة جداً.
أما بالنسبة للندوات والمؤتمرات والتكريمات فإن الأوفياء للأدب والثقافة والفكر صامدون في وجه هذا الانقسام وضراوة الحرب والتمزق بكل ما تحمله من تخريب مادي وفكري، ولازالت تنظم الأمسيات الشعرية والقصصية وحفلات توقيع الكتب وتعرض المسرحيات وتصدر الكتب سواء عن طريق مؤسسات الدولة مثل الهيئة العامة للثقافة أو المؤسسات الأهلية أو دور النشر الخاصة أو الأفراد بشكل مستقل. كما أن العديد من المكرمين نالوا جوائز وحوافز مختلفة سواء في الرواية أو الانتاج التلفزيوني أو القصة القصيرة ولعل أخرها ما شهدناه خلال شهر ديسمبر الماضي 2020م أثناء فعاليات معرض الكتاب بمدينة طرابلس الإعلان الفائزين وتوزيع المكافآت المالية النقدية على الفائزين في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها الهيئة العامة للثقافة تحت شعار (دورة محمد فريد سيالة).
كما أن فاعليات عددٍ من المؤسسات الأهلية بطرابلس مثل (منتدى بشير السعداوي الثقافي) أو (أصدقاء دار حسن الفقيه حسن) أو (الدار الوطنية للفنون التشكيلية)، وكذلك بمدينة بنغازي (مؤسسة متون الثقافية) و(تجمع تاناروت للإبداع الليبي)، ولقاءات (مكتبة اليونيسكو) الأسبوعية في مدينة سبها و(مؤسسة إنسان للأعمال الخيرية) بمدينة زليتن، وغيرها كثير، لازالت كلها تقاوم الجهل والحرب والخراب والتمزق والتشظي وتسعى لتقديم الوجه الجميل للوطن، وهو ما يؤكد انحياز الأديب والمثقف لأدواته الفنية وإيمانه الواثق بأن دوره ورسالته الوطنية لا تتوقف وإن تعرضت للمخاطر.
– صف لنا واقع الأدباء الليبيين ومعاناتهم الإنسانية والإبداعية، في ظل الحرب والصراعات الممتدة طوال 10 سنوات؟
الأدباء هم مواطنون كغيرهم من عامة الناس والشعب بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية سواء كانوا من العرب أو الأمازيغ أو الطوارق وجميعهم يشكلون النسيج الاجتماعي الوطني الشامل في ليبيا، إلاّ أنهم يتميزون بدرجة أعلى من الوعي والإدراك الأكثر والأعمق عند التعاطي مع الأحداث وتحليل الصراعات، وفي نفس الوقت عند تفاعلهم مع البشائر والمباهج في المناسبات السارة والأخبار السعيدة. الأدباء الحقيقيون يتحلون بروح إنسانية مفعمة بالمحبة والانحياز لقيم الخير كافة، وبحس مرهف رفيع، ومشاعر فياضة تتأثر سريعاً بالسلب والايجاب، بالفرح والحزن، بالنصر والهزيمة، وبالتالي فإن معاناتهم النفسية تظل أقسى من غيرهم وأبلغ من عامة الناس لأنهم يمثلون نخبة متميزة داخل المجتمع تحمل مشاعل الإنارة والهداية للحق والخير والجمال بشكل عام، ولا تشارك في الحرب ولا اقتسام الغنائم ولا خطاب العنف والكراهية ولا أساليب الإقصاء العرقي أو الاجتماعي.
– كيف ترى واقع النقد الأدبي الليبي الراهن؟
يؤدي النقد الأدبي دوراً مهماً في تطوير الإبداع وتوجيه بعض الملاحظات الفنية والموضوعية المهمة للنص الأدبي سعياً منه للارتقاء به من ناحية، واستنطاق بعض جمالياته من ناحية أخرى، وذلك وفق العديد من المدارس والمناهج النقدية التقليدية والمتطورة. والنقد الأدبي في ليبيا لازال يواجه عثرات مستوطنة فيه منذ أكثر من خمسين سنة، حيث لا نكاد نجد للأسف إلاّ نادراً وقليلاً، دراسات نقدية تحليلية عميقة تتبع منهجاً نقدياً مؤطراً، بل الكثير من الدراسات هي عبارة عن قراءات إنطباعية تعتمد على ظاهرة التأثير والتأثر دون الغوص في جسد النص وتشريحه بشكل دقيق، مع احترامي لجهود كل الممارسين لنقود الأجناس الأدبية المختلفة. ولازال النقد المنهجي الأكاديمي الذي يمارسه أساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا يقبع في الأدراج ولم يحظَ بالنشر والانتشار للاستفادة من كل تلك الدراسات التحليلية والقراءات المتعمقة التي أؤمن بلا شك أنها تضيف الكثير من الجماليات الفنية وتشرح التقنيات الفنية في الكتابات الإبداعية والأجناس الأدبية كلها، فما أحوجنا إلى دراسات نقدية جادة وعميقة توجه الإبداع نحو مسارات أكثر تطوراً من الناحيتين الموضوعية والتقنية، وما أحوجنا كذلك إلى صحافة تحتضن المقالات النقدية وتمنحها مساحات أوسع للنشر وبالتالي المطالعة وتوسيع رقعة انتشار النصوص الابداعية والملاحظات النقدية حولها في آن واحد.
قد تكون صورة لـ ‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نص‏‏
قد يعجبك ايضا
اترك رد