ليلى جراغي: أشتاق لعالمي بكل فوضويته وأفتقد الوطن
أنكرتنا العراق وإيران وأوروبا احتوتنا
حوار: آية ياسر
أعمالها تدور حول مثلث “الفقر والجهل والتعصب” .. عانت أمرين في طفولتها أثناء الحرب العراقية – الأيرانية وأجبرت وعائلتها ضمن آلاف الأكراد على الهجرة من وطنهم حيث وجدوا في أوروبا ملاذا لهم ؛ لكن ذلك لم يمنعها من أن تصير أديبة متميزة لمع إسمها في الأوساط الأدبية .. إنها الكاتبة والطبيبة النفسية الكردية الأصل الهولندية الجنسية “ليلى جراغي” التي صدرت لها حديثا في القاهرة عن دار وعد للنشر ثالث رواياتها “خيوط الوهم” ؛ حيث سبق أن صدر لها ثلاث روايات هي : “الصدأ” و”الجدار”و “الوهم”، ومسرحية “عالقون في الوهم”.. وحول ذلك كان لنا معها هذا الحوار:
– ماذا عن روايتك الثالثة “خيوط الوهم”؟
تصور الرواية من خلال شخصياتها المختلفة الاثار المدمرة التي تركتها الحروب والسياسات الخاطئة والموروثات الرجعية على نفوس غالبية العراقيين .
واردت أن اقول من خلال احداثها أن الحرب رغم انتهائها الشكلي لكن الازمة لا زالت قائمة.
وتدور الرواية حول أسرة عراقية عانت من ويلات الحرب وآثارها السلبية وتحيا في قرية فقيرة ونائية بالعراق تعاني من الشوائب الإجتماعية والموروثات الخاطئة.
واتخذت من خلال شخصية بطل الرواية “زين العابدين” ذلك الشاب الشاعر الحالم الذي زج به رغما عنه في حرب الخليج وعاد منها فاقد الحلم والبصر رمزا للرفض لكل ما هو مستبد ورجعي.
واعتمدت في الرواية على فكرة المهدي المنتظر او انتظار جودو المخلص ، وذلك من خلال اختفاء زين العابدين المفاجئ والشائعات التي تلت غيابه.
كما اردت ان اقول من خلال ذلك التفكك والانهيار الحاصل وانتظار الغائب والمخلص قي تلك البقعة الموبؤة بالجهل والفقر سيولد جيل جديد ربما سيكون قادر على صناعة مستقبله وتقدير مصيره وامتلاك حريته وتحديد مصيره .
وتناقش الرواية غياب الحرية وآثار الحرب والجهل ، وتشير إلى أن الحرب لا زالت مستمرة فلا تزال آثارها موجودة ولا توجد حرية لا قبل الحرب ولا بعدها ؛ لكني تركت فسحة من الأمل في أن إحدى شخصيات الرواية المقهورة تلد طفلة يكون هو ” زين العابدين” الجديد ليمثل جيلا ربما يستطيع الحصول على حريته .
– تتجلى آثار الحرب بصدق في هذه الرواية .. فهل لتجربتك الشخصية أثر في ذلك ؟
عندما إندلعت الحرب العراقية الإيرانية كنت طفلة بريئة أرسم صورا لصدام حسين ولكنه أول من خذلني ، وفي يوم وليلة طردونا من العراق لمجرد اننا أكراد ونفوا عنا أننا عراقيين ، رغم أني لا أجيد التحدث بالكردية ولغتي العربية ، وعشت وولدت في بغداد أبا عن جد ، وعند اندلاع الحرب العراقية الايرانية إستخدمونا كورقة ضغط على ايران وتم ترحيلنا من بلد لبلد وأنكرتنا العراق وايران ، لكن اوروبا الوحيدة التي احتوتنا لكنها أخذت مننا دفء روحنا وأبناءنا فأصبحوا أوروبيون الهوية ووضعت جدران وحواجز بيننا وبين ابناءنا .. أشعر بأن هناك حاجز ثقافي بيني وبين أبنائي أحيانا اتخطاه واحيانا يتخطاني .
أذكر نظرة والديّ خلف الزجاج بحثا عن الدفء وهما يحلمان بالدفء وقد حرما منه بلا ذنب وأجبرنا على الهجرة لأوروبا.. عانيت كثيرا من التعصب والهجرة والغربة ، ويكفي ان أجبر على الخروج من بلدي بسبب شيئا لا ذنب لي فيه ؛ وكل هذا إنعكس بالطبع على كتاباتي.
– إلى أي مدى أثّر عملك كطبيبة نفسية في ابداعاتك الروائية ؟
ساعدني على التعمق في النفس البشرية وأضفى عمق على كتاباتي وجعلني أحللّ الشخصيات بشكل علمي مدروس على عكس الكاتب غير الدارس الذي يستخدم العاطفة في ذلك.
– روايتك الأولى “الجدار” .. فهل هي سيرة ذاتية لعائلتك ؟
جزء منها يحمل تجربة أسرتي والجزء الآخر من تجارب أكراد أعرفهم عانوا الضغوط السياسية والهجرة ، والبعض الآخر من خيالي فلا أدب بلا خيال.
– كيف إنعكست الغربة عليكي كأنسانة وككاتبة ؟
الغربة نوعان خارجية وداخلية وأنا عشت غربة خارجية في ظل لغة ومناخ مختلفان ؛ لكني إستثمرت ذلك في الدراسة والعمل والجانب الإقتصادي وتأقلمت مع حياتي في هولندا فأصبحت بلدي الذي منحني الخبز والدواء والعلم لكنها ليست وطني فهي حرمتني الدفء النفسي ؛ فأصبحت في بحث دائم عن الدفء وأشتاق لعالمي بكل فوضويته وأفتقد الوطن.
وفي هولندا وجدت هناك الاهتمام بالصحة والتعليم والمواطن وتوفير العمل والسكن لهم رغم انها كانت جذر في حين اننا بلدان لها حضارات عريقة .. حضارة آشور وبابل وحضارة 7 آلاف سنة في مصر ولازلنا نبحث عن رغيف العيش ؛ لذا أحلم بأن الأجيال القادمة تحصل على حقوقها في الصحة والتعليم والحياة الآدمية .
والأمر الجيد في وجودي بأوروبا هو نجاحي في التخلص من الموروثات العربية الخاطئة حول النظرة للمرأة وعلاقتها بالرجل والتي تنمي لديها الأنوثة المبكرة وخلصني من الإنحصار في الذاتية وجعلني أكتب بحرية تامة ، فأنا فكري حر وقلمي حر.
وصحيح أنني كان من الممكن أن أسلب حريتي عندما كنت طفلة في تلك الفترة المظلمة لكني قاومت الظلم.
– وكيف وجدتي نظرة الغرب للشرقيين والعرب ؟
الإنسان الناجح يستطيع أن يشق طريقه في أي مكان رغم ما سيقابله من صعوبات وتعصب البعض ، لكن ينبغي ألاّ نقوم بالتعميم فهناك من الغرب من هم متعصبين وآخرين متسامحين ومنفتحين وهناك من العرب المغتربين من يسيئون لنا بسوء إستغلالهم للحرية ويشوهون صورة العرب والمسلمين .
– تناولتي أزمة الهوية لدى المغتربين في روايتيكي “الصدأ” و”الجدار” .. فما سبب اختيارك لها لتكون محورا للروايتين ؟
لأن قضية الهوية هي قضية مهمة جدا لأي إنسان ، فمعظم المغتربين يشعرون بالحاجة للإنتماء وقد أكون واحدة من هؤلاء ، ولكن وجودي في مصر يلبي جزئا من حاجتي لهذا الشعور حيث أجد الدفء والعفوية بها وتلبي بعضا من احتياجي النفسي .
– ولماذا لم تفكرين في العودة إلى موطنك الأصلي ؟
عانيت في طفولتي من الحرب والهجرة والصراعات الطائفية والقومية والتعصب الديني في وطني ولا أدري إلى أين أعود ؟ .. هل أعود إلى موطني في الشمال مع الأكراد ؟ أم في موطن أمي بالجنوب ؟ .. ثم إني أممية أكره التعصب العرقي والديني.
– من يقرأ رواية “الصدأ” يجد أن شخصياتها تتأرجح كثيرا .. فما المدلول النفسي لذلك ؟
الصدأ تمثل الحالة النفسية للمغترب وواقعه فكل عائلة مهاجرة تأتي ومعها موروثاتها الثقافية والدينية التي تريد توريثها لأبنائها مما يولد لديه ضغوط وحالة إضطراب وتمزق بين هويتين مختلفتين .
وتكون حاجة الطفل الصغير للشعور بالإنتماء والهوية أكبر لأنه يحيا في عالم متناقض فهو في بيته عربي مسلم وفي بيئته غربي فيظل يتسائل أنا أيهما ؟
– كيف تقيمين المشهد الثقافي في الوطن العربي ؟
يوجد لدينا كتّاب وشعراء وفنانين مبدعين لكن للأسف لا توجد لدينا مؤسسات تحميها وتهتم بها .. هذا ما لاحظته وقد أكون مخطئة.
– ماذا عن أعمالك الأدبية المستقبلية ؟
أعكف الآن على مشروع رواية جديدة تدور حول مثلث “الفقر والجهل والتعصب” الذي تدور حوله أعمالي .. فواقعنا مؤلم للغاية ومليء بالصراعات والتناحرات والتأسلم والفوضى .
وأنا شخصيا لا أتعجل في أعمالي الأدبية وأحب أن أمنح نفسي فسحة من الوقت لإضفاء روح تخص عالمي ومجتمعي وموروثاتي الثقافية وحتى أتمكن من موضوع العمل جيدا .