“نهى صبحي”: أعشق الخوض في غمار شعور شخوصي ومعايشتهم
ترغب في كسر الحاجز الأنثوي
حوار: آية ياسر
هي قاصة مصرية من طراز رفيع وكاتبة مسرحية شابة، نجحت في أن تلفت الأنظار إلى منجزها الإبداعي خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ منذ إصدارها الأول، المجموعة القصصية “أصفاد الروح”، التي فازت بجائزة الكتاب الأول فرع الإبداع الأدبى في معرض القاهرة الدولى للكتاب 2020، وأثنى النقادُ على موهبتها الواعدةِ.
في أعمالها تبدو مولعة بإخراجِ مكبوتات النفس البشرية وتحطيم قيودها في أعمالها، التي تجمع بين علم النفس والرومانسية والجانبين الميتافيزيقي والأسطوري.
إنها القاصة والكاتبة المسرحية “نهى صبحي”، التي صدرت لها مؤخراً مجموعتها القصصية الثانية “الخَيَّالةُ”، كما وصلت مسرحيتها “العودة إلى الشرنقة” إلى القائمة القصيرة لمسابقة أبي القاسم الشابي في تونس، ونالت إشادة خاصة من لجنة التحكيم، ولها أيضاً مسرحية “مرة واحد عاش” الحاصلة على مركز أول بمهرجان مسرح رومانس 2019.
وحول بدايتها الأدبية ومشوارها الإبداعي كان لنا معها هذا الحوار:
في البداية هلاّ حدثتنا عن البدايات الأدبية بالنسبة لكِ؟ وكيفية ولوجكِ عالم الكتابة الإبداعية؟
جاءت البدايات في المرحلة الابتدائية حين أمسكت بنفسي وسط الكثير من التأملات والخوض بالتفاصيل وكانت كل اهتماماتي أن أحصل على قصص الأطفال بمصروفي اليومي ولا أبتاع الحلوى كما يفعل الأطفال في نفس الفئه العمرية، إلى أن جاءت الولادة مع بداية دراستي للشعر الجاهلي بالنصوص المدرسية بكتاب اللغة العربية بالمرحلة الإعدادية التي فتحت الباب لتكون أولى تجاربي بكتابة الشعر الذي كانت تعتريه ملامح اللغة القديمة إلى أن كانت الدفعة من معلم اللغة الإنجليزية، حين أخذ نصًا لي وترجمه إلى اللغة الإنجليزية وأهداه لي قائلا «ستترجم كامل أعمالك إلى لغات عدّة يومًا ما» حينها أيقنت أن هذا الهدف يجب أن أسعى إليه.
واستمرت كتابتي الشعرية إلى أن نصحني أستاذ اللغة العربية في المرحلة الثانوية أن أكتب قصة قصيرة قائلا «قصائدك تحمل بين طياتها أركان القصة القصيرة بل هي الأقرب للقصة من رداء الشعر» وكانت أولى محاولاتي في كتابة قصة «انبعاث» التي نشرت ضمن مجموعتي القصصية الأولى «أصفاد الروح».
أعماق الأساطير
كيف نجحت في إخراج مارد النفس البشرية في مجموعتك القصصية “أصفاد الروح “؟
«أصفاد الروح» مجموعتي القصصية الأولى، تتألف من 16 قصة، تأخذنا أحداثها في جولة إلى أغوار النفس البشرية، والخوض في تفاصيلها مرارًا على لحظات الهرب من الواقع، إلى أعماق الأساطير، وساعدتني قراءتي المبكرة في علم النفس وتحليل الشخصية، كذلك حبي لتشريح الذات والتعمق فيها، على التعبير عن ذلك، إضافة إلى أنني أعشق الخوض في غمار شعور شخوصي ومعايشتهم الحالة الشعورية كاملة، كي أتمكن من التعبير عنها وكأنها تجربتي الشخصية ومعاناتي الخاصة.
كسر القيود
ما سبب اعتمادك على تقنية الحلم في إخراجِ مكبوتات أو أصفاد النفس البشرية؟
تتجلى نماذج عدة من القيود بكل قصة في المجموعة، ففي «انبعاث» أرواح الأحباء المعلقة عبر الأزمنة غير المعروفة والمعاناة بهذا القيد من أجل الانطلاق في سماء الحب. وفي «ندوب دافئة» تلك الفتاة السجينة بداخل جدران العمى التي تبحث عن بقعة ضوء تتخلص بها من قيد الظلام.
وفي «الفرار» نجد عدم القدرة على الفرار خوفًا من قيود المجتمع، و«ثنائية القطب» عن أصفاد التوترات النفسية، و«شروع في قتل» التي تعبر عن قيد الخوف المرضي الكامن بداخلنا، و«شبح الماضي» وقيد المذنب القديم والنفس اللوامة، وغيرها من القصص التي تصب في نفس الإطار ، ورجوع لطبيعة النفس البشرية بأن كل ما نرغب به نراه في أحلامنا باستمرار، إن الأحلام مرتبطة ارتباطًا كليًا بهذه القيود التي تمنعنا من تحقيق رغباتنا، لأن الإنسان حين يعجز عن تحقيق هدفه في الواقع يستمر في الأحلام كمتنفس وحيد يحقق له التوازن، لأنه يخلق الأمل باستمرار ويزيد من رغبتنا في كسر القيود والعوائق من أجل الوصول إلى الهدف وتحقيق المنشود.
ما هي ملابسات فوز المجموعة بجائزة أفضل كتاب بفرع الإبداع الأدبي في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020 ؟
كان هذا الفوز بمثابة عجلة دفع رباعية تصحبني إلى قمة جبل، أخشى من التراجع أو السقوط من فوقه وأرفض العودة إلى سطح الأرض بشدة، جاء الخبر في توقيت متوتر بالنسبة لي، نتيجة تكهناتي حول هوية الفائز وهوية لجنة التحكيم غير المعلنة، ليأخذني الخبر إلى اليقين، ويدخل المسرات على قلبي، وداهمتني كومة من الأفكار الجديدة لمشاريع أدبية جديدة، في نوبة حماس أصابتني نتيجة حصولي على جرعة أمل، وسمعت صوت بداخلي يحدثني «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا».
أما عن توقعي للفوز فلقد كانت مشاعري على الحياد، وأريد أن أعبر عن أمتناني للجنة التحكيم التي انحازت لنصوصي دون أي سابق معرفة شخصية، التي ضمت أسماء ناهد السيد وطارق الطاهر وإبراهيم داود.
ماذا عن مسرحيتك “مرة واحد عاش” وحصولك على المركز الأول بمهرجان مسرح رومانس 2019؟
“مرة واحد عاش” هي مسرحية ارتجالية، تعرض أحداثها من خلال اسكتشات منفصلة متصلة، وهي من إخراج المبدع المخرج المسرحي “طارق السباعي”، وهو صديق ورفيق درب في العمل المسرحي منذ مسرح الجامعة ونحن نعمل معًا، وكان هذا أكثر ما يميز العمل تجسيد الصديق المخرج الذي يعرف كيف تدور رأس صديقته الكاتبة لشخصيات المسرحية بشكل رائع.
وأهم اسكتش بالنسبة لي في هذه المسرحية التي عرضت في أغسطس 2019 على مسرح رومانس ضمن فاعليات مهرجان رومانس، هو اسكتش “كافيه الكلام” الذي يحكي عن مقهى صامت يحاسب الزبائن على كلامهم وليس على ما يتناولونه من مشروبات، وهو ما أثار إعجاب الكثير من النقاد والحضور ولجنة التحكيم وكتب عنه العديد من الصحفيين ومن أهم ما كتب هو مقال الناقد والصحفي المتميز “مدحت صفوت”، وفاز العرض بأفضل عرض مسرحي في المهرجان وجائزة أفضل إخراج في المهرجان وأفضل ممثل وأفضل ممثلة من نفس الفريق.. في الواقع كان يومًا حافلًا بالانتصارات لفريق عمل المسرحية.
عالم متشظي
كيف جمعتِ في مجموعتك القصصية الثانية “الخَيَّالةُ” تشظى الحدث والتشويق؟
هذه الأدوات تختلف من كاتب للآخر، فأنا أرى أن البداية التشويقية وبعض الألغاز الذي يحملها النص، حافز قوي يحمس القارئ للتعمق في النص ويزيد من رغبته في إنهاء الأحداث، وبالنسبة للتشظي فنحن في عالم متناثر ومتشظي بطبيعته، عالم لا مركز فيه، وتتغير ثوابته من لحظة لأخرى، بالتالي الكتابة على هذا النحو بنت العصر.
ومما لا شك فيه أن وجود الروح الساردة أساسي بجميع أركان العمل وإلا فقدت الحكاية رونقها ولم تعد قصة بالأساس وأصبحت مجرد لغز وفقدت جاذبيتها، فكل منهم يدعم الآخر، متعة السرد وحافز التشويق.
لماذا تطغى الشخصيات النسائية على مجموعتك القصصية الثانية “الخَيَّالةُ.. بَيْنَ صَهْوَةِ الخَيْلِ وصَهِيلِه”؟
المرأة بطلة الفكرة الرئيسية التي تم بناء قصص المجموعة بناء عليها، ومع ذلك لا تخلو المجموعة وعوالمها من الرجال، فالمرأة ليست كائنًا معلقًا في سياق مستقل، لكن النساء هنا تستخدمن كل الأسلحة من أجل السيطرة على هذا الرجل؛ لتصبح الخيالة التي تتحكم في لجام الخيل وتقوده حيث تريد، فمنهن من تفعل ذلك بذكاء كما ظهر في قصص كليوباترا ملكة مصر، ومنهن من تكيد له كما فعلت زليخة مع يوسف، وأخريات تسيطر بجعل الجميع يحتاج لها طوال الوقت كنموذج أمينة في قصة “القدم الأملس”، وغيرها من قصص المجموعة التي استعرضت فيها بعض أدوات المرأة التي تستخدمها لقيادة الرجل، بوصفها تركيبة أكثر تعقيدًا منه وربما أكثر دهاء وحنكة، وإن فشلت في فرض سطوتها بالقوة ستبلغ مرادها بالضعف والانكسار، لذلك هي المرأة الخيالة بطلة المجموعة بالتأكيد.
التخمة الإبداعية
كيف ترين واقع الكاتبات في مصر والوطن العربي؟
سبق أن قلت إن السؤال صعب فعلًا، واختصار الساحة الإبداعية في كلمات أو سطور أمر ضد المعرفة، ويخالف قواعد العلم، وأعتقد أننا في احتياج إلى جهات علمية ترصد لنا فعليا المشهد الإبداعي بتفاصيله وتوجهاته، وأتمنى فعليًا أن تعمل الجامعات على تحقيق ذلك، وأن تضطلع المؤسسات الأكاديمية والنقدية برصد الساحة وما يطرأ عليها على نحو دائم ومتجدد.
ومع هذا لا يمنع ذلك من أن أشير إلى التخمة التي تعاني منها الأوساط الإبداعية من عدد الكتاب وسط تراجع مستويات المقروئية، وانخفاض معدلات القراءة، الأمر الذي يستلزم جهات نشر جادة وواعية ومهتمة بالكتابة الأدبية وترويجها.
– ما هي ملابسات وصول مسرحيتك «العودة إلى الشرنقة» إلى القائمة القصيرة لمسابقة أبي القاسم الشابي في تونس؟
«العودة الى الشرنقة» نص مسرحي يحمل رؤية فلسفية مهمة بالنسبة للمجتمع في وقتنا الراهن، وتعمدت من خلاله أن أبرز فلسفة “نيتشه” في بعض المشاهد ومفهومه عن العزلة والفوضى، لأدعو الشباب للنهوض مرة أخرى وعدم الاستسلام واليأس وخوض التجارب بكل شجاعة.
وبعد إعلان نتيجة المسابقة أصابني الإحباط لكن حين علمت بإشادة أعضاء لجنة التحكيم في المسابقة، وأن «العودة إلى الشرنقة» من أفضل ست نصوص مسرحية من بين ألف مسرحية مقدمة من جميع أنحاء الوطن العربي، ووصولها للقائمة القصيرة والمنافسة الأخيرة، علمت أنني فزت بالجائزة الكبرى، وكانت دفعة قوية بالنسبة لي وقد كتب عنها أيضا مقالًا مميزًا جدًا الكاتب الصحفي التونسي ساسي حمام.
هلاّ حدثتينا عن أعمالك المسرحية الأخرى؟
لدي الآن نص مسرحي يجرى عمل البروفات عليه وهو “رقصة الجنازة” ونص آخر بعنوان “هذي السنين” ومنودراما بعنوان “ندوب دافئة” عن حياة فتاة كفيفة، ومسرحية كوميدية بعنوان «أنا اللي قتلت الفار» والنص المسرحي “النسخة التجربة إنسان”، وسيتم إعادة عرض «مرة واحد عاش» في الفترة المقبلة وبعد انتهاء جائحة كورونا.
ماذا عن تجاربك في كتابة السيناريو للفيديو كليب الخاص بالأغنيات؟
كانت تجربة مميزة بالنسبة لي، فمن منا لا تلمسه كلمات أغنية ما أو تحكي عن موقف حدث معه، لذلك لم أتردد لحظة حين عرض علي أحد المخرجين كتابة سيناريو فيديو كليب لبعض المطربين، فقد حان الوقت للتعبير عن هذه الحالة بطريقتي الخاصة مع كلمات الأغنية المفضلة لي، وعلى الرغم من أن ليست كل هذه الأغنيات تعبر عن موقف خاص أو تلمس حياتي بشكل مباشر، فإنني سعدت كثيرًا بالعمل عليها.
تجربة مميزة
ماذا عن مجموعتيكِ القصصيتين تحت الطبع “دنجوانة “، “مخالب ناعمة”؟
في الحقيقة أنا متحمسة جدًا لمعرفة رد فعل القارئ والنقاد على الأعمال المقبلة وبشكل خاص «دنجوانة» لأنها تعتبر تجربتي الأولى في كتابة المتتالية القصصية، التى أرى أن السوق الأدبي يفتقر لها منذ زمن.
ومن اتجاه آخر، قررت كسر هذا الحاجز الأنثوي في هذه المتتالية وطرح بعض القضايا الجريئة والشائكة التي تخص المرأة، ويرفض المجتمع الشرقي الحديث فيها، مثلا يفتخر الرجل بكونه متعدد العلاقة وبوصفه «دونجوان» أما المرأة متعددة العلاقات لا يمكن أن تتحدث عن حياتها، فحريتها أو حتى انحرافاتها إهانة مباشرة لذكوريته.
أما عن «مخالب ناعمة» فهي أيضا تجربة مميزة بالنسبة لي وجديدة ومقربة اليّ، وترتكز على فترة المراهقة والتوترات بين الانتقال من براءة الاطفال إلى مكائد الشباب وأخطائهم في ظل الطفرة التكنولوجية التي نشهدها في وقتنا الراهن، وستكون متوفرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب المقبل لدى دار روافد للنشر والتوزيع.
أخيراً.. ما جديدك الأدبي؟ وهل من عمل جديد تعكفين على كتابته؟
الآن أخوض تجربة كتابة الرواية للمرة الأولى وهي بعنوان «روح النعناع» وأعكف على كتابة سيناريو فيلم سينمائي جديد بعد دراسة كتابة السيناريو السينمائى وعمل المعالجات السينمائية.