fbpx

“عبدالسلام إبراهيم” يُحطّم التابوهات المقدسة في “جماعة الرب”

0

 

في رواية صادمة وجريئة تحطم الكثير من التابوهات المقدسة، يتخذ الروائي المصري “عبدالسلام إبراهيم”، من مدينة الأقصر جنوب مصر مسرحاً لتنطلق منه أحداث روايته الجديدة “جماعة الرب”، ويعود بنا في مفتتحها إلى ثلاثينيات القرن الماضي؛ حيث عصر الباشاوات والسقايين، في زمان كان فيه الإخصاء وأحياناً “اللواط” عقوبة للمتحرش بالنساء، وعبر حكايات شعبية تناقلتها الألسنة وترويها الجدة المسنة لحفيدتها العذراء، على مضض خشية أن تفقدها براءتها.

وتقع الرواية، الصادرة عن دار عرب للنشر والتوزيع، في 334 صفحة من القطع المتوسط، مٌقسّمة إلى 64 فصلاً، ويستهلها “عبدالسلام إبراهيم”، بآية من سفر التثنية في العهد الجديد تقول: “لاَ يَدْخُلْ مَخْصِيٌّ بِالرَّضِّ أَوْ مَجْبُوبٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ”، وتعد الآية مدخلاً وتمهيداً للنص ولثيمته الرئيسية.

وإعتمد الكاتب في روايته الرابعة “جماعة الرب”، على تقنية الرواي العليم في سرد النص، لكنه استخدم مستويين لغويين في الحوار بالرواية، يتراوحان بين اللغة العربية الفصحى والعامية المصرية الشعبية.

ويتنقل بنا الكاتب عبر صفحات روايته بين نجع السقايين وعزبة الخنازير وحزبة الحرامية والضبعية، وفي بيئات شديدة الفقر، حيث أصحاب الحرف والمهن اليدوية، كالسقايين والحدادين وبائعي العرقسوس والجزارون ومغسلو الموتى والخياطون والنجارون والحدادون والعربجية وبائعي الخضار والبليلة والطوابون، يعيشون في أعشاش بوص متلاصقة ويقضون حاجتهم في الخلاء، أو يحيون في مندرة طينية مسقوفة بسعف النخيل، ويتصارعون فيما بينهم بعنف ويرتكبون أقسى أعمال الحرق والتخريب والتدمير وجرائم تصل إلى خطف أطفال خصومهم إلى مناطق نائية بـ”عزبة الحرامية” في مقابل الفدية ويقومون بقتلهم في كثير من الأحيان إذا تلكأ ذويهم في دفعها، حتى أن بعضهم يغيرون على غرف الخصوم ويقومون بشد وثاقهم واغتصاب نسائهم أمام أعينهم، وتعرض الكثيرون من أصحاب تلك المهن للقتل، واختلطت بينهم الأنساب جراء الاعتداءات على نسائهم، حتى ظهر الحكماء من كل طائفة، فكانوا يعقدون جلسات صلح غالباً ما تفشل وتتحول إلى معارك دامية، لكنهم فيما بعض وضعوا قواعد عرفية للفصل في تلك الخلافات ووضع حدود طينية فاصلة وفرض غرامات على المخالفين.

ثم يقفز الكاتب بالزمن قفزة إلى الزمن الحاضر؛ حيث سيطرة رأس المال على صناعة النشر وعالم الصحافة، والذي يجعل الصحف تخضع لأصحاب الإعلانات التي لا تخلو من الإسفاف بغرض الحصول على الموارد المالية، كذلك تصارع الصحف على أسبقية نشر الأخبار في ظل عصر السرعة، حتى وإن ارتكبت أخطاءاً مهنية في سبيل ذلك.

وتعتبر رواية “جماعة الرب”، محطة إبداعية مهمة للروائي والقاص والمترجم المصري “عبدالسلام إبراهيم”، والتي تأتي عقب ثلاثة أعمال روائية هي: “قادش الحرب والسلام، الطواب الأكبر، عرش الديناري”، ومجموعاته القصصية الثلاث: “كوميديا الموتى، الملائكة لا تأكل الكنتاكي، مسافة قصيرة جدا للغرق”، وعدداً كبيراً من الأعمال المترجمة لأشهر الكتاب العالميين، والتي تنوعت بين الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة.

وتتخذ الرواية من الجنس وقضاياه الجريئة التي تتراوح بين الشبق والرغبة والحرمان الجنسي والهوس والشهوة والإغواء والتحرش والإغتصاب وتعاطي المنشطات الجنسية ومشكلات العلاقات الحميمية بين الأزواج والشذوذ، محوراً لها، كما تضمنت قضايا الفقر والجهل في المجتمعات الأكثر فقراً وتنظيم النسل والتغيرات التي حلت بالمجتمع المصري بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ولم تخلو من تلميحات لملاحقات الأمن لعناصر الإخوان المسلمين وقانون التظاهر والحرب في سوريا، وإشارات لقضايا فرعية كتهجير أهل النوبة، انتحار الشباب اليائسين، والحرب على الإرهاب، وثورات الربيع العربي، والديموقراطية ومدنية أو دينية الدولة، حرية الإبداع.

ويمكننا القول بأن الروائي المصري “عبدالسلام إبراهيم” قد عمد إلى تعرية الواقع والكشف عن هشاشته عبر تحطيم التابوهات والولوج إلى مناطق إبداعية شائكة ومحظورة بكل جرأة، مسلطاً الضوء بقوة على التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية واضطرابات الهوية التي لحقت ببلدان ثورات الربيع العربي وضياع الحلم والحرية والكرامة واضمحلال المجتمعات والهجرة واللجوء والتشرذم، والأوضاع الاقتصادية المتردية التي حالت بين الشباب وبين الزواج وفرّقت بين المحبين، متخذاً من مصر وسوريا نموذجاً.

وتحضر الموروثات الشعبية والحكايات الشفهية التي يكونا الجنس والفضيحة بطلاها، بقوة في الرواية، وتتجلى أجواء كابوسية ممتزجة بالإثارة الجنسية في بعض مواضع الرواية تذكرنا بكتابات الروائي الفرنسي “الماركيز دي ساد”، المتحررة من قوانين النحو الأخلاقي ، والتي تستكشف موضوعات وتخيلات بشرية دفينة مثيرة للجدل.

وتتجلى ملامح القرن الحادي والعشرين في الرواية عبر الهواتف المحمولة الذكية والقنوات الفضائية وثورة الاتصالات وأجهزة “السيميلتور” والكاميرا الديجيتال والشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي والهاشتاجات والصحافة الإلكترونية.

كما تحضر معالم الحضارة الفرعونية القديمة بشكل قوي في الرواية ضمن تجليات الأمكنة مثل: تمثال آمون، تمثال رمسيس الثاني، معبد الكرنك، شارع الإله.. ، شارع رمسيس، شوارع الكرنك، البحيرة المقدسة، حانة نفرتيتي، محطة رمسيس.
وتتجلى أيضاً الميثولوجيا والتاريخ المصري القديم في هذه الرواية عبر لعبة استدعاء أحد الآلهة الفرعونية القديمة وهو “آمون”، ليمارس مجموعة من الناس طقوساً في معبد الكرنك لعبادته، في ارتباط بقضية “مقهى كفار الفلكي”، التي ظهرت عقب الثورة.

ونجد أن النساء في رواية “جماعة الرب” أغلبهن مسحوقات تحت وطأة الفقر والجهل أو الحروب والثورات والموروثات الخاطئة في ظل مجتمع ذكوري يسلبهن حقوقهن وينهش أجسادهن إما طواعية باسم الزواج لا يجدن فيه سعادتهن أو عنوة عبر التحرش والإعتداء على حرمة الجسد أو حتى الإضطرار لممارسة البغاء.

وتعتبر هذه الرواية حافلة بالشخصيات التي يكون كلٌ منها بطل قصته الخاصة التي قد لا تكتمل، وأحياناً تتشابك مصائر بعض الشخصيات أو تتقاطع عبر الأحداث.

وتظهر في بداية الرواية، شخصية الباشا أنطون الذي أمر بخصاء السقايين في “عزبة الخنازير” بالأقصر خلال ثلاثينيات القرن الماضي، قبل أن تسمى بـ”عزبة السقاقوة”، وذلك في أعقاب وقوع عدة جرائم اغتصاب وتحرش جنسي بالنساء واتهام تلك الفئة بارتكابها.
و بعدما أمر “أنطون” بإحضار كل حلاقين عزبة الخنازير وقنا وإسنا، يقدم لهم على سبيل الرشوة، مأدبة لم يشهدوا لها مثيل في الحفلات والأفراح ومكافأة مالية كبيرة لم يكونوا يحلمون بها؛ وذلك قبل وصول النحاس باشا أثناء رحلته النيلية من القاهرة أسوان والتوقف في الأقصر لثلاثة أيام، ويأمر بأن يصلب السقايين إلى القوائم الخشبية، ويقوم الحلاقون بسنّ شيفراتهم الحادة ليأمرهم بإخصاء الضحايا الذين أسماهم بـ”الذبائح”، ويشعر الحلاقون بالخوف والرهبة والرفض لتلك الجريمة التي سيشاركون فيها طوعاً أو كرهاً بحق متهمين لم تجرى لهم محاكمة أو تثبت إدانتهم، ويخضع “السقاقوة” إلى أنماط متنوعة من التعذيب الوحشي لم تقتصر فقط على سلبهم ذكورتهم.

ثم يعيدنا الكاتب إلى العصر الحالي؛ حيث شخصية عصمت عطيتو الشهير لدى أهل الأقصر بلقب “المتحرش النجس”، صاحب الصوت الرخوي والمشية الرخوية، الذي انفصلت عنه زوجته وابنها وذهبت لتعيش في بيت أبيها الشيخ “رشيدي العجلاتي” في السكة الحديد، وذلك بسبب سلوكه المشين وسمعته المعيبة، بعدما اعتاد إنتهاك حرمة أجساد النساء في الأسواق، حتى أقدم على التحرش بجسد بائعة الخبز الشمسي، فتقوده جريمته للوقوع فريسة الخطف من منزله على أيدي خمسة فتيان أشداء يغطون وجوههم ليقوموا بتعذيبه وإفقاده لذكورته، على مرأى ومسمع من تلك المرأة، ويمكننا القول بأن “عصمت عطيتو ” شخصية محورية بالرواية.

وتبدأ عقدة الرواية في التجلي في الصفحة الخامسة والثلاثين من الرواية، باستخراج جثة عروس شابة، يُعتقد خطئاً أنها “منتهى النحاس” الصحفية بجريدة “الخبر الأول” من نهر النيل بمدينة الأقصر، وتتزامن تلك الواقعة مع اختطاف “عصمت عطيتو”، وتعرضه لعملية الإخصاء.
ويصحبنا الكاتب إلى مقر “جريدة الخبر الأول”، ليعرفنا بهيئة التحرير التي تتكون من: جلال الجرايحي، رئيس التحرير الذي هجر الطب ليعمل بالصحافة عقب وفاة والده، وهو متزوج بـ”ليديا”، لكنه يخونها بعلاقات نسائية متعددة رغم أنه واقع في غرام زميلته الصحفية “هانيا هويدي”.
وهناك أيضًا “شاهيناز الشباسي” التي تحولت إلى ناشطة سياسية بعد مقتل حبيبها في ثورة 25 يناير، “ماهيتاب” التي عانت من المتاعب بعد إعتقال شقيقها الأصغر “نائل” لتضامنه مع زملاء له بالكلية مقبوض عليهم، ووصل الأمر إلى قطيعة الأهل لأسرتها، وأنها كادت تتعرض للفصل من عملها بعدما تلقى “الجارحي” أمراً بذلك، لكنه تولى الدفاع عنها وقام بدعمها وتأكيد براءتها، وأيضاً “منتهى النحاس” التي تقع في حب الشاب “نصّار الحسيني”.
وتعد “منتهى النحاس” شخصية محورية آخرى، يأخذنا الكاتب إلى عالمها وعلاقاتها الغرامية القصيرة التي لا يُقدر لها الاكتمال، وأسرتها التي تتكون من والدها “رأفت النحاس”، وزوجته السورية الشابة ” نسرين طمبولي” التي هربت من حلب بسبب الحرب بعد مقتل خطيبها أكرم المعصراني في الثورة السورية، لتتزوج من رجل أرمل خريفي لا يرضي رغباتها الأنثوية الفتية.
ويستعرض الرواي عبر تلك الشخصية معاناة المرأة السورية من ويلات الحرب التي تلت إندلاع الثورة، وتسببت في هروب كثير من اللاجئات إلى مصر، ليضطررن إلى مزاحمة الشحاذات المصريات في شوارع وميادينها بحثاً عن لقيمات تسد جوعهن وجوع أولادهن، واضطرار بعضهن إلى الزواج من رجال متزوجين أو مسنين يفوقوهن عمراً بكثير، بل إن بعضهن قد عملن راقصات شرقيات في ملاهي شارع الهرم الليلية، وتم ضبطهم في قضية دعارة كتبت عنها الصحفية “منتهى النحاس”، بحسب الرواية.

وهناك شخصية آخرى مثيرة للجدل ومحورية بالرواية وهي “الشافعي الكرور”، صاحب المقهى الشعبي، الذي جاء من النوبة في ستينات القرن الماضي وعمل حارساً لعقارات النصارى في شارع كيلوبترا لعشر سنوات، ولكن حين مات “مجلي عبدالنور” صاحب حانة “اشرب واطرب” بشارع المحطة، التي كانت الغوازي يأتين من شارع محمد علي بالقاهرة للرقص فيها، فإنه قام باستأجارها من الورثة وحولها إلى “مقهى الطرب”، وجاء بعازف عود نوبي ليعزف فيه لرواد المقهى الذين اتهموه بتخريب أعمدة الفن المصري، بعد إدخاله للنكهة النوبية على أغاني “أم كلثوم”،”عبدالوهاب”، “محمد فوزي”، فقام بتسريح العازف وأسماه مقهى “البروليتاريا”، وغيّر الاسم في الثمانينات إلى “البروليتاريون”.

ويساعد “الشافعي الكرور”، جريدة “الخبر الأول” في نقل أخبار الأقصر لها، في إطار صحافة المواطن، لكن كثيراً مما ينقله يختلط بالشآئعات والفضائح، كما أن هذا الرجل الذي سبق أن أفقدت الجماعات الإسلامية رجولته، وتجمع بزوجته علاقة غريبة من نوعها، قد عُرف عنه حبه لأن يقص الحكايات منقوصة دون أن يضع لها نهاية.

كما تضمنت الرواية شخصيات آخرى فرعية في حبكات جانبية مثل: مجلي عبدالنور صاحب الحانة، غطاس الأعور مدير الحانة، جرجس فاخوري ساقي الحانة، الطبيبة آية حساني، وعشيقها السائق مؤمن وشقيقيها طارق و عاصم حساني، غطاس أنور، بهجت حنفي، شهاب بدر الدين، حميد الطرافي.

وفي كثير من حبكات الرواية الجانبية يتقمص “الشافعي الكرور” شخصية الحكاء الشعبي، ويروي حكاياته المثيرة المبتورة، فمثلاً: يتحدث عن الطبيبة الشابة آية حساني، وقصة حبها لسائق الميكروباص “مؤمن”، الذي يحمل شهادة تعليمية متواضعة هي الدبلوم، لكنها رغم ذلك تغرم به حتى يتزوجان زواجاً عرفياً بسبب رفض شقيقيها طارق و عاصم حساني، الموظفان بأحد البنوك، لهذا الزواج غير المتكافئ وتتسبب أحاديث “الشافعي الكرور” في افتضاح أمر العاشقين لدى أهل الفتاة، ويكون مصيرهما الإحتجاز والتعذيب، وتكاثرت الأقاويل حول ما حل بهما في النهاية، وإن كان الرواي قد رجّح موافقة الشقيقين على هذا الزواج في النهاية.
ويروي أيضاً “الشافعي” لرواد المقهى حكاية قريبه الشاب النوبي “مجاهد عويس” الذي جاء إلى الأقصر في السبعينات، لكن خمس عجائز أجنبيات قد استأجرنه ليمارس معهن البغاء مقابل مائة جنيه إسترليني وفي الصباح عُثر عليه يحتضر، ونُقل على الفور إلى المشفى، ولا يكشف “الكرور” عن مصير ذلك الشاب.
وتتسم شخصية “الشافعي الكرور” بالفضول والسعي وراء القصص والأخبار المثيرة وهو الأمر الذي دفع برئيس التحرير “جلال الجرايحي” إلى الاستعانة به كأحد المصادر المهمة في نقل الأخبار للجريدة، والتي تبدأ من قضايا الفساد وجرائم القتل وتنتهي بالفضائح وحتى قصته عن إناث القطط التي تهجر شارعها بحثاً عن ذكور قادرين على التزاوج.

وتأخنا الرواية إلى عالم شخصية “غطاس الأعور”، الذي يدير الحانة ويستمع إلى مخاوف وهموم السكارى في حانته دون أن يثمل مثلهم، بينما تلوح أمامه خيباته التي تذكره بعجزه مع النساء رغم ضخامة جسده.
ويتطرق الكاتب أيضاً إلى جرائم الشرف في المجتمعات العربية، عبر قصة جثة الفتاة العروس ذات الفستان الأبيض التي انتشلها عمال الإنقاذ النهري، من نهر النيل قرب معبد الكرنك، وقد لفّ مقتلها الغموض، وراحت أصابع الاتهام تتجه إلى عريسها زاعمة أنه اكتشف أنها ليست بعذراء تارة، وأنها عذراء، لكنها اكتشفت كونه خصياً، فلم تتمالك نفسها وصرخت تتهمه بالعجز الجنسي، فتخلص منها ليخفي عاره، وحملها بقميصها الأبيض الذي لم تحصل به على المتعة وألقاها في النهر.

ويؤكد الراوي عبر سطور روايته الفشل الذريع لثورة 25 يناير في مصر، وأنها لم تحقق أياً من أهدافها ؛ حيث يقول على لسان الرواي:
“كنا ننتظر من الثورة أن تُوفر لنا إيجابيات المجتمع، وتقضي على سلبياته، لكنها نفخت في روح حشراتها فتضخمت، وسدت كل السبل أمام الذين يحلمون بالحياة”، لكن الكاتب رغم ذلك جعل من المستقبل مفتوحاً على احتمالات مخيفة؛ حيث يقول: “خوف بعيد يقترب سريعاً تحمله أمواجٌ عاتية لا يستطيع أن يقف في وجهها أحد”.

ويعكس الكاتب عبر تناوله للخصاء بأنواعه الواقعية والإفتراضية، حالة الخصاء الاجتماعي والسياسي وأزمة الهوية في المجتمع التي تبدأ بالهوية الجنسية وتنتهي بالهوية الدينية والإجتماعية والسياسية، وبتر قيم وحضارة المجتمع ومرجعيته وهويته بدعوى الثورات، وتصل أزمة الهوية إلى ذروتها في مشهد الانتحار المروّع للشاب المتحول جنسياً إلى إمرأة بعدما عانى صراعاً عنيفاً بين هويته كذكر وهويته كأنثى.

وتظهر المخاوف المجتمعية من فقدان الوطن وغياب استقرار المجتمع في السنوات التي أعقبت ثورة يناير في مصر، عبر تلك السطور من الرواية:
“أن تكون للحياة نهارات أخرى، شموس أخرى وأقمار حتى ولو عند حافة العالم، لكن كيف نبلغ تلك الحافة التي تنتهي عندها اللاطمأنينة؟
جرَّب مواطنونا حافَّات وآفاقاً أُخرى لم ينجحوا في بلوغها بعد، تُرى متي يأتي النهار الذي نبلغ فيه حافة جديدة آمنة تُصبح وطناً بديلاً لنا؟
وطنٌ يرضاه لنا الرب بعد أن انتزع منا وطننا كسيَّاف عملاق بتر عضواً حيوياً لِثائر نَدِم على ثورته فليته يُعيد العضو الذي بتره ونُكمم أفواهنا نهائياً فلا نهتف بإسقاط النظام أو حتى انتقاده”.
ويقُدم الكاتب في هذه الرواية عدداً من الحكايات غير المكتملة والعلاقات المبتورة وأشباح العشاق التي تترك القارئ عرضة للتساؤلات حول النهايات المفتوحة لكل منها.
ورغم كثرة شخصيات الرواية إلاّ أن معظمها حلّ على السرد كضيفٍ خفيف ثم تلاشى سريعاً دون أن يسدل الكاتب الستار على فصل الختام من قصته، لكن “عبدالسلام إبراهيم” قد تابع طريق عدد من شخصيات الرواية النسائية وهن: “مُنتهى النحاس وشاهيناز الشباسي وماهيتاب وهانيا هويدي، وحتى الزوجة السورية الشابة ” نسرين طمبولي”، حتى الفصل الأخير من الرواية دون أن يُقدم الكاتب حلاً لعُقدة كلٍ منهم، وتاركاً الباب مفتوحاً أمام كافة الاحتمالات، وبطلاته فريسة للحيرة.
فنجد أن علاقة جلال الجرايحي، رئيس التحرير، بزوجته “ليديا” مستمرة رغم كل شيء، ولم تحسم علاقته الغرامية بالصحفية “هانيا هويدي” التي تبقى كالمعلّقة على حبها المعذب تجاهه.
أما منتهى النحاس فلم يكتب لها اكتمال قصة حبها مع الشاب نصّار الحسيني الذي اختار بنفسه “الخصاء الكيميائي” مستسلماً للظروف القاهرة، بعدما أيقظ الرغبة الأنثوية في نفس حبيبته دون إطفائها، ويتوفى والدها “رأفت النحاس”، متأثراً باصابته بمرض سرطان البروستاتا.
وتبقى كما هي صراعات “نسرين طمبولي” بين هويتها السورية التي بدأت في فقدانها وبين حياتها في مصر وأسرتها الجديدة، وبين ماضيها المتمثل في حبها القديم لخطيبها الشهيد “أكرم المعصراني”، وبين أحلام الشباب الضائعة المتمثلة في ذلك الحب وبين واقع شائخ معيب تعيشه مع زوج عجوز مريض لا تكن له حباً ولا يرتوي معه ظمأها للعلاقة الحميمية التي تعكس رغبتها في الحياة رغم وجودها وسط عالم متداعي مصاب بالعطب، ويصل صراع الهوية إلى ذروته حين ترقص نسرين مع منتهى الرقص الإيقاعي.
فيما تصل الصحفية الشابة “شاهيناز الشباسي” إلى قناعة أنها لن تعثر على “ابن الحلال” الذي ستتزوجه، بعدما تعرض حبيبها للقتل أثناء أحداث ثورة 25 يناير.

وفي تاريخ الذكرى العاشرة لثورة يناير، لم تستطع بطلات “جماعة الرب” أن يصعدن إلى عربة السيدات في مترو الأنفاق وبالكاد تمكنّ من حشرن أنفسهن في عربة الرجال المكتظة بالركاب، في إشارة من الكاتب إلى الواقع المُحبط لفتيات ذلك الجيل.
وفي السطور الأخيرة من روايته ينهي الكاتب الرحلة التي امتدت عبر “334” صفحة، ليصل بنا إلى طريق مسدود لنظرية بطلاته في ما أسموه بـ”صناعة ابن الحلال”، لتنتهي الرواية بنهاية مفتوحة دون أن يضع لها خاتمة محددة.

آية ياسر
روائية وقاصة

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد